
الحس المرهف
”الحس المرهف” مهارة مطلوبة في التعامل مع البشر و حل مشاكل هم طرف فيها.تجد مثلاً سلوكا معينا يسبب مشكلة ما لكن في الواقع أن هناك أمور خلف هذا السلوك. يحدث هذا بين مع الأبناء و بين الأزواج و في بيئة العمل و في المجتمع.
عندما توليت منصب مهندس مشروع في أحد الشركات الكبرى كان من ضمن فريق العمل الذي يعمل تحد إدارتي شخص أمريكي الجنسية سنسمية “بيتر”. في بداية عملي في هذا المنصب حذرني الموظفون من بيتر هذا حيث أنه في مشاكل و جدال دائم مع مهندس المشروع السابق و أنه دائما ما يختلق المشاكل في الفريق حتى مع رئيسه. استمتع لما بلغني عنه و لم أبني على هذا الكلام أي انطباع بل تركت لنفسي حرية التعرف على الجميع بطريقت
ي.
في أول اجتماع في المشروع حيث يحضر أكثر من ٣٠ شخص من مهندسين و مدراء مشاريع مقاولين و مفتشين و مشرفين و أنا أرأس هذا الاجتماع الاسبوعي في موقع المشروع. كان أول جزء من الاجتماع يتحدث عن السلامة كالعادة و هو مجال اختصاصه في المشروع. عندما قرأت أول نقطة من مذكرة الاجتماع السابق و سألت المقاول ماذا عمل بخصوصها و مباشرة نطق بيتر بنبرة حادة و باسلوب مستفز و صوت مرتفع يعطي رأيه كخبير. لحظت أن بيتر كان يجلس بطريقة غريبة حيث كان متجهاً بظهره تجاهي و واضعاً إحدى رجليه على الأخرى و كأنه هو الرئيس و ليس أنا. كان بيتر يكبرني في السن رما في الستينات من عمره بينما كنت في أواخر الثلاثينات تقريبا. استمعت لتعليق بيتر على النقطة الأولى. لقد لحظت أنه يريد أن يرسل رسالة غير مباشرة لي في أول لقاء معي و هي أنه الخبير و أنه يعرف أكثر منا!
أدركت عندها بأن بيتر يرسل رسالة غير مباشرة تؤكد بأنه يحتاج إلى “التقدير و الاحترام” كونه الأكثر خبرة و الأكبر سنا و أنه لن يسمح لمهندس بسن أصغر أبنائه ربما أن يسيطر عليه حتى لو كان رئيسه.
بعدها انتقلت إلى النقطة الثانية من نقاط السلامة و بعد أن قرأتها مباشرة وجهت الحديث إلى قائلاً “بيتر أنت الخبير هنا … أرجوك أخبرنا ماذا علينا أن نعمل لحل هذه المشكلة؟” فبدأ بيتر يدلي بدولة و يوضح لنا ما يجب أن نقوم به لحل مشكلة السلامة تلك. ثم شكرته على ذلك.
كررت نفس الطريقة مع النقطة الثالثة و الرابعة و بيتر يتحدث و يتحفنا بخبرته في مجال تخصصه. لكن لحظت بأن جلسة بيتر بدأت في التغير تدريجيا إلى أن أصبحت جلسته كباقي الحضور ووجه متجه إلي وواضعاً يديه على الطاولة!
لم يستغرق الأمور بضع دقائق من أول لقاء بيننا في هذا الاجتماع المزدحم حتى تحول بيتر من أسد متوحش إلى حمل وديع. بعد الاجتماع و أثناء مسيري في مبنى المكاتب في المشروع و إذا بي أُفاجأ ببيرت يتبعني و يتحدث إلي بصوت خافت ليقدم لي نصيحة في مجال السلامة و ينبهني عن موضوع أنا أعرفه جيداً إلى أن دخلت إلى مكتبي و هو يتحدث عن الموضوع. عندها شكرته على نصيحته و بينت له بأنني استفدت من ما طرحه و أنه من أركان هذا المشروع المهم للشركة و البلد و شكرته على مبادرته.
بعد الاجتماع جائني أحد مهندسي المشروع الذين حذروني من بيتر و شره و قالوا … ماذا عملت بالرجل!
لو كان تصرف هذا التصرف مع مهندس المشروع السابق لتحولت قاعدة الاجتماع إلى معركة بينهما!
وقالوا أيضاً : اليوم رأينا بيتر مختلف تماماً عن الذي عرفناه على مدى سنوات بسبب تعاملك مع الموقف.
بينت لهم بأنه كان واضح لي من لغة جسده بالجلسة في بداية الاجتماع بأن الرجل يحتاج أن يُعطى مكانته التي يرى أنه يستحقها فقط. كان لديه أفكار سببت له هذا الشعور. عندما سألته عدة مرات بأن يساعدنا في الحل و أنه هو الخبير هنا تأكدت لديه فكرة أن خبرته و مكانته مهمة و أنه كشخص يعتبر قيمة مضافة للمشروع تغير السلوك مباشرة. هي إدارة مشاعر و علاقات.